الثلاثاء، 20 أبريل 2010

بيوت الأدباء في لبنان






بيوت الأدباء في لبنان

التاريخ: ٢٠ ايار ٢٠٠٩


كثيراً ما نقرأ عن منازل الادباء الأجانب وطقوس كتاباتهم، إذ يعمد بعض المهتمين إلى تخليدهم من خلال لوحات تذكارية أو متاحف أو كتب أو مقالات طويلة ومفصلة في الصحف، لكن هذه الظاهرة تبدو ضعيفة في لبنان والعالم العربي، فاللوحات التذكارية للأدباء والمبدعين قليلة جداً أو هامشية لا تخص إلا المهتم بها، منها لوحة للمسرحي مارون النقاش في شارع "الجميزة"، وأخرى لصاحب مجلة "المكشوف" فؤاد حبيش في قرب بناية العازارية( وسط بيروت)، لكن معظم الأماكن التي كان يرتادها الأدباء في طريقها إلى الزوال في بيروت، أو هي لم تعد معروفة من مطعم فيصل إلى "الهورس شو" و"الدولتشي فيتا" و"المودكا" والويمبي و"الكافيه دي باري".

السؤال الملح أين هي منازل الأدباء والكتاب في لبنان. منزل الشاعر الاخطل الصغير(بشارة الخوري) في منطقة القنطاري يبدو فارغاً لا نعرف عنه شيئا كما مؤلفاته، ومنزل "شاعر الشعب" عمر الزعني في منطقة الظريف استحال مبنى سكنيا. بيت خليل مطران في بعلبك لم يبق منه إلا تمثاله في الساحة قرب القلعة أما مؤلفاته فمجهولة، ومنزل المفكر حسين مروة الذي اغتالته القوى الظلامية عام 1987 يسكن فيه نجله ولا تزال مكتبته كما هي، ولم يلجأ الحزب الشيوعي اللبناني(الذي كان ينتمي إليه حسين مروة) إلى تحويل المنزل متحفاً، علما بأن مروة اغتيل على سريره بسبب انتمائه السياسي.
محمود درويش الذي عاش سنوات طويلة في بيروت لا نجد لوحة تذكارية تكرمه، نعرف بيروته من خلال كتبه وهو الذي سكن في منطقة الفاكهاني، وأمضى سنوات في شارع الحمراء، في منزل يقطنه اليوم أحد المحامين. و المخرج الفلسطيني ناصر حجاج عمد إلى تصوير البيت في فيلمه الجديد عن محمود درويش. اليوم يتصارع الورثة والاصدقاء وغيرهم على من يكون النجم في موضوع إصدار ديوانه الأخير. الأرجح أن لا أحد يفكر في إنشاء متحف في منزل نزار قباني الذي كان يقطنه في بيروت في شارع متفرع من شارع مار الياس، بل أكثر ما فعله ورثته أنهم اصدروا وريقات متبقية له في كتاب جديد كانوا بغنى عنه.


حارة المجنون

كثر من الشعراء والكتاب العرب سكنوا في بيروت ولبنان، تركوا أثرهم في الكتابة ولكن المكان الذي عشقوه وكتبوا عنه كان عرضة للتحولات فلا شيء يبقى على حاله في بيروت المدينة المفتوحة على كل الإحتمالات والتحولات. إذا تأملنا في بيوت الأدباء التقليدية أو الأدباء الذين ارتبطوا بالذاكرة المدرسية أو الذاكرة اللبنانية من جبران إلى أمين الريحاني ومارون عبود وتوفيق يوسف عواد ففي السنوات الاخيرة كثر الحديث عن منزل الشاعر الياس ابو شبكة الذي حولته بلدة زوق مكايل متحفاً. كان للمنزل وقعه في وسائل الاعلام لأن رئيس بلدية زوق مكايل نهاد نوفل بات محترفا في العمل البلدي، واهتماماته باتت معروفة في هذا المجال، ولمنزل أبو شبكة قصته إذ إن بعض اللبنانيين يقول عن منزل أبو شبكة "هذه حارة المجنون"، وهذه الصفة ليست محمودة في لبنان كما هو الحال في فرنسا، الجنون في لبنان هو آفة الآفات عند العامة.

كان منزل الياس ابو شبكة مهددا بالجرف إذ تمّ بيعه لتشييد بناء مكانه في السبعينات، فعاجل رئيس البلدية نهاد نوفل إلى توقيف عمل الجرافة وباشر في تحويله متحفاً بعدما استملكته البلدية. بدأت الحرب فسكن فيه مهجرون وتحوّل البيت إلى محل لبيع الأحذية. لم تستعد البلدية البيت إلا أواخر الثمانينات، بعدما تعرّض لعملية تشويه لبعض معالمه، وخصوصاً أبيات شعرية كان الشاعر كتبها على جدران المنزل. بوشرت عملية طويلة من الترميم، لا سيما أن البيت كان بدأ يتداعى كلياً وبعض الأبيات التي كتبت على الحائط فقدت وبقيت بعض الرسوم. منزل الياس ابو شبكة تحول متحفا، يحتوى الكثير من ذاكرته، على المدخل صورة كبيرة للشاعر. هناك وثائق وأبيات شعر له، صوره مع أبيات شعرية بخط يده وصور حبيبتيه "غلواء" و"ليلى" ووالديه... سريره وخزانته وحتى غرفة الجلوس التي كانت في بيته أعيد تأهيلها واستعمل النول عينه الذي حيكت به الكراسي.

وصف الأديب مارون عبود حارة أبو شبكة في كتابه "جدد وقدماء" قائلاً: "بيت مستور. تدخل ذلك البيت، وهو ما زال كما تركه المورّث فتراه حارة تدل على يُسر صاحبها، فحيطانها مدهونة وأرضها مفروشة بالبلاط الرخامي، وغرفها واسعة وعالية والدار فسيحة، وهذا هو طراز البناء البرجوازي اللبناني كأنما أعد ذاك البيت الرفيع العماد ليأوي إليه شاعر ثائر شقي يائس تأبى عليه أنفته أن يظهر أمامك في مباذله، فاستطاب شقاءه والشقاء هو الحياة بل لا لذة للحياة إذا لم يكن الشقاء". يروي ميخائيل نعيمه عن ليلة قضاها في منزل أبي شبكة بعد إلحاح الأخير، يقول:"ونمنا ليلتنا الأولى في غرفة واحدة، ولكم سرّني عند النوم أن أشاهد مضيفي يستوي في سريره ويصلّي بحرارة المؤمن…". ويتابع نعيمه: "في صباح الأحد التالي أخبرني الياس عن قصيدته "غلواء" (غلواء حبيبة الشاعر) وقد أوشك أن يفرغ من نظمها، فطلبت أن أسمعها، واشترطت أن يكون ذلك لا داخل جدران أربعة، بل في الهواء الطلق بعيداً عن الناس وبين الأعشاب والأزهار. وهكذا كان، فخرجنا إلى جهة من الزوق اكتست تربتها حلة فاتنة من بكور الزهر والعشب، وهناك جلسنا ومن فوقنا سماء صافية زرقاء، ومن حولنا نسيم زهر ناعس، وأمامنا بحر شاسع، وراح يقرأ ورحت أصغي".
تحول منزل الياس أبو شبكة متحفا ولكن المثير للتعجب أن لا أحد من الجيل الجديد من الشبان يعرف مؤلفات هذا الشاعر الكبير، هل يفكر أحدهم في طباعة مؤلفاته الشعرية؟ ومن السخرية أنه خلال افتتاح متحف أبو شبكة طبع كتاب وحيد له وهو "العرب والفرنجة" ولم يترافق هذا الاحتفال بمتحفه مع إصدار جديد لأعماله والاحتفاء بنتاجه الكبير والأساسي والبالغ الاهمية في الشعر اللبناني والعربي والنهضة الأدبية العربية والفكرية. كثيرا ما يكتب الشاعر بول شاوول عن غياب مؤلفات الرواد في لبنان، أما الشعراء الشبان فلا يبدو أنهم على علاقة بالشعر الكلاسيكي أو الكلاسيكي الحديث.

مارون عبود

حين نذكر مارون عبود نتذكر بلدته عين كفاع، بل نتذكر كنيته فهو أسمى ابنه البكر محمد فصار "أبو محمد"، كأنه بذلك اخترق "تابو" الطوائف اللبنانية التي نعرف كل واحدة منها من أسماء ابنائها، إذ الاسماء تدل على الانتماء والولاء، مع الأديب مارون عبود يبدو للولاء معنى آخر، فيه شيء من المثالية في بلد يضج بالأحلام والكوابيس. مارون عبود أيضا نفتقد مؤلفاته في المكتبات اللبنانية وإن حوِّل منزله في بلدة عين كفاع متحفا يدل على أهميه هذا الناقد والاديب.
يقع بيت مارون عبود في وسط الضيعة، يحتوي نتاجه الأدبي من خلال غلافات جميع مؤلفاته الكاملة إضافة إلى المجلات والصحف التي حرر فيها. هناك عدة مقالات وأحاديث مخطوطة ومقالات نشرت في جريدة "الروضة" (1906-1907) وفي جريدة "النصير" (1907) وفي جريدة "الحكمة" و"الوطن" ما بين 1909 و1914 وعددها 1327 . هناك أيضا رسائل مرسلة إليه وعددها 2150، ورسائل أرسلها هو، مخطوطاتها باقية وعددها 630، إلى جانب قصاصات ورؤوس أقلام وعددها 4530. البراءات والشهادات والأوسمة التي حاز عليها مارون عبود أُفرد لها مكاناً خاصاًً في البيت المتحف و في خانة الصور الفوتوغرافية، نرى وجوهاً وأسماء كثيرة، بعضها عايشها مارون عبود وتعرّف إلى البعض الآخر من خلال الكتب. الصور تعود إلى شخصيات لعبت أدواراً مهمة سياسياً أو فنياً أو روحياً. هناك قائمة أغراضه الخاصة، غليونه، خاتمه، ساعة جيبه، وساعة المكتب، أدوات القهوة الخاصة به، كؤوسه، كسارة لوز، مصباح علاء الدين، دكتيلو قديم، وأدوات الطعام الخاصة به. الصالة المجاورة للقاعة الرئيسية تابعة لدار مارون عبود للنشر، وفيها لوحات زيتية لأدباء تعاملوا مع هذه الدار فنشرت لهم مؤلفاتهم أمثال: خليل مطران، أديب اسحق، بطرس البستاني، كرم البستاني، فرح أنطون، إبراهيم ووردة وناصيف اليازجي.
يقول د. رياض نظير عبود (حفيد مارون عبود) إن فكرة إنشاء متحف لمارون عبود بدأت مع أولاده نظير ونديم ومحمد في أوائل السبعينات بمجهود فردي، ومع بداية الحوادث في لبنان توقف العمل في المتحف. استأنف حافظو إرث مارون عبود العمل في فترة لاحقة وأضافوا بناءً جديداً على البيت الذي تركه قبل أن يتوفاه الله في حزيران من العام 1962. يحتوي المتحف لوحة زيتية تدل على ذلك.


قل كلمتك وامش

منزل الأديب والرحالة أمين الريحاني في "الفريكه" الذي حول جزء منه إلى متحف تحت رعاية عائلته فتح أبوابه صيف 1953. ثمة قاعة للوفود وللحلقات الدراسية والندوات الأدبية والفنية والثقافية بصورة منتظمة ودورية. أفردت، منذ العام 1997، صفحة خاصة مفصلة ومصورة للمتحف على موقع الريحاني الدولي، ويضم مؤلفاته باللغتين العربية والإنكليزية ومخطوطات نادرة وصورا له مع ملوك عرب، وعنوانه www.ameenrihani.org


سقف بيتي حديد

حفظنا في أيام الدراسة قصيدة "الطمأنينة" (سقف بيتي حديد/ ركن بيتي حجر) للأديب ميخائيل نعيمة، كنا نتخيل هل يكون بيت هذا الاديب مثل قصيدته؟ كذلك علقت في ذاكرتنا علاقته بالشحرور والسنديانة وباتت بسكنتا في ذاكرتنا تعادل السنديان والشحرور. هكذا كان للأديب أن يصنع صورة بلدته في أذهان محبيه. ربما تكون بسكنتا في الواقع أجمل من الكلام المكتوب لكن فضل الكاتب أن يسلط الضوء على معالمها. قارئ ميخائيل نعيمة وزائر بسكتنا يلاحظ أن الأديب والبلدة من نسج بعضهما. نعيمة كتب الكثير من نصوصه عنها تحت سنديانة منزله المطلّ واستلهم من جبالها ووديانها وطبيعتها الوعرة و في العـام 1999، تمـت إقامة نصب قرب منـزل الأديب حيث الغرفة الصخرية التي كان يكتـب فـيها وأقيــم له تمثــال يمـثل وجـهه.


جبران

لعل الأديب والشاعر اللبناني الأشهر الذي ترك وراءه صيتا عالميا هو جبران خليل جبران، حيث أقيم له متحف في بلدته بشري، فيه بعض لوحاته التي رسمها وجزء من أثاث بيته في بوسطن لكن المتحف لم يكن منزل جبران إنه مسكن قديم اشترته عائلته وتحول متحفا يضم لوحاته ومقتنياته وهو في منطقة يمكن وصفها بالمتحف الطبيعي ومن يزور تلك المنطقة يعرف أهميتها.
هناك الكثير من البيوت لأدباء لبنانيين لكن حضورها في النسيج الإعلامي يبدو خافتا وضئيلا، فمعظم الورثة يمحون أثر الأدباء بعد رحيلهم.

حين حاولنا الاستفسار من بعض المثقفين عن زياراتهم إلى منازل الكتاب والشعراء في لبنان، بدا السؤال مثيرا للسخرية بالنسبة لهم، قال أحدهم إن الحانات أهم منزل للشعراء والشعر ليس في المتاحف.


محمد محمود الحجيري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون