الخميس، 17 فبراير 2011

حكايتي الفيروزية .. حبة لوز مُرّة !






حكايتي الفيروزية .. حبة لوز مُرّة !
علي عميص ــــ الرياض: غربتي حبّة لوز مُرّة .. أن تكون بعيداً عن حكايتك الفيروزيّة التي إستحالت أسطورة في أطياف خيالك لا تبارحه، حبّة لوز مرّة .. أمّا الموقف السريالي فأن تقرر العودة لتعيش أحداث الحكاية بعد طول تخطيط وتصميم، ثم ما إن تدوسّ قدماك تراب البلد حتى يمور تحت نيران العدوان الإسرائيلي ! من أين طبّ كل هذا " الموت " علينا دفعة واحدة ؟ تباً !
نزقٌ ما أصابني على متن الطائرة، شعور بفائض هائل في ميزان العواطف، كتيبة من مضيفات رفيعات الطراز يحكمن عليّ الحصار، يرشقنني برصاص البسمة وعلى محيّاهن ألحاظٌ كأسياف تنادي 00 على عاصي الهوى الله أكبر!

ولمّا بلغت مطار بيروت كان الصاروخ الذي في بالي أمام عيني فيما بدا هديّة من السماء لي، أدرت الأمر في رأسي طلوعاً ونزولاً فخلصت إلى نتيجة مفادها أن الإجازة هذه "عاصفة " الملامح، هنيئة، منعشة، دافئة !

ووصلنا ..

هنا القرعون، بلدة لولا عبود، وجارة قمر مشغرة ، وهذا الراديو الذي في السيارة، عبره يتحدث المذيع من إذاعة لبنان الحر ويقول في خبر عاجل أن حزب الله أسر جنديين إسرائيليين، صديقي وأنا إنبسطنا ورحنا نتفلسف في السياسة، كيف أن هذه الخطوة ستقوي موقف الحزب، وكيف أن نجاح العمليّة سيدعم موقف الفلسطينيين المحاصرين في غزة ورام الله، لم يخطر في بالنا أن الأيام القادمة ستكون كابوساً على الجميع وأن كل ما حكيناه في السيارة كان نشازاً وخروجاً عن لحن الموت الموعود!

توالت الأحداث بسرعة الناس الذين يموتون ويألمون ويحزنون ويصمدون ويقاتلون وينتصرون بيننا اليوم، هؤلاء الذين هم ملح الأرض يمشون هنا في شوارع بلدتنا وعلى" كورنيش الضيعة " الذي أمسى أشبه بكورنيش عين المريسة لكثرة " الكزدرجيّة " في فترة ما قبل الغروب، هنا الجو - وإن كان مشحوناً بالقلق - إلاّ أنه يوحي بالحياة، عجقة شباب ونراجيل يتوسطهم بيّاع العرانيس " الذرة "، دردشة مفتوحة وسيارات تمشي الهوينا، تتحدّى كل من أراد لها إقامة جبريّة في الكاراجات !

الأخبار تشيع الأحزان، موجة إجلاء الرعايا عمّت كل الأنحاء، وجُل المغتربين لملموا أغراضهم، عادوا على وجه السرعة من حيث أتوا، كل بيت تدخله ترى في ما وراء الوجوه خوفاً على شيء ما، هو وطن، ولد، بيت 00 التلفزيونات قبلة الأنظار وما تنقله من أحداث مدخل لكل حديث! أما في الوقائع 00 إمرأة من بلدة بلاط تقود سيارتها مع قريبتها وأبنائها الصغار تقف بجانب المدرسة المغلقة، تبكي حالها ولا تعرف إلى أين تذهب !

وتلك المرأة القادمة من الخيام دخلت لتجري إتصالاً من المستوصف مع من بقي من عائلتها هناك، عن آخر الأخبار تسأل : يجيبونها بلا مقدمات 00 زوجها، إبنها، صهرها، صاروا شهداء 00 تسقط المرأة في نوبة من صراخ وتنهار 00

وأم عبّاس التي عبَرت في الوقت الفاصل ما بين صاروخ وصاروخ من يارون الحدوديّة إلى البقاع الغربي ، حكت عن رحلة الذعر00 وكيف خرجت من بيتها مع أولادها بعد أن سقط صاروخ قربه ، توجهت إلى المسجد فإذا بصاروخ آخر يسبقها إليه 00 إذاً لا أماكن آمنة وعلى الكل أن يغادر، وفي لحظة نظرت أم عبّاس أمامها لترى سيارة، حركتها وإتجهت بها نحو صور ، تركت السيارة هناك وجاءت إلى بيت والدها " الآمن "، لكن إبنها عبّاس ظلّ يخوض معركته مقاتلاً على الخطوط الأماميّة، وعبّاس هذا الذي أجرى عدّة دورات تدريبيّة في إيران فريد من نوعه، يكفي أنه قال لزوجته ليلة زفافه بالذات :" إسمعي، ربّما تصبحين أرملة في وقت قريب! "

صمد عبّاس وعاد إلى قواعده العائليّة سالماً، زارنا بعد يومين من وقف " الأعمال العدوانيّة " مهندَماً معطّراً كأنه قادم من بلاد العم سام، زارنا منتصب القامة مرفوع الرأس كأي محارب منتصر قادم من جنوب لبنان 0

وعندنا داخل جدران المنزل، أبي يحب السيد حسن وعمامته وصواريخه وسياسته وساحته، تعارضه بشدّة أختي الحريريّة الصغيره، يُجمع الطرفان على حنكة نبيه بري ودولته، لولا الرئيس بري لما كان في بيتنا " وحدة وطنية " !00

أمّا أمي التي لا تريد إلاّ أن نحيا بأمان ، هجست بجملة واحدة "عليك أن ترحل "، هي التي ضبّت لي الشنطة وقالت لي سافر !

*** *** *** لبنان أدب هوميروسي، إلياذة وأوذيسّة في آن معاً، فعل موت وقيامة، و ليس اللبنانيون سواء 00 منهم من يحيا اليوم في كوخ الألم 00 ومنهم من يبدع في علك الكلام الفارغ على رنّة العود وعزف الكمنجة 00 آخرهم من يروّج لسيادة سطحيّة على الطريقة التي تروج فيها المافيا المخدرات 00!

ولمّا كانت فيروز " المعنى" قد أحبت لبنان وغنّت لمن يبقى ومجّدت حتى العذاب فيه، فإن طردنا من لبنان عذاب !

نهاجر - ولا نشكو - لأن منّا من لا يريد أن يكون فداء لهذا " الزعيم " أو ذاك، لا بالدم ولا بالروح ولا حتى بالإصبع ولا بالظفر ولا بأي شيء آخر !

لا العنزة ظلّ لها مرقد في هذا البلد، ولا نحن لنا مقعد، ولا كرامة لنبيّ في وطنه •

omaisali2000@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون